منيت خارطة الطريق التي أعدتها بعثة الأمم المتحدة، والتي حددت يوم الرابع والعشرين من شهر ديسمبر الحالي موعدا لإجراء الانتخابات الرئاسية بفشل مدو، وخيبة أمل كبيرة ما زالت وستظل تلقي بتداعياتها على المشهد السياسي والانتخابي في البلاد نخشى أن يكون من بينها زعزعة الثقة في مصداقية جهود الأمم المتحدة وبعثتها للدعم في ليبيا، وفقدان ما تبقى من الأمل في الأجسام القائمة، وانكماش وتراجع نسبة المشاركة في الانتخابات القادمة.
لقد تم وأد العملية الانتخابية التي كانت جزءاً من المرحلة الانتقالية المتفق عليها في جينيف بطريقة محيرة وغامضة، وهي في قمة تفاعلاتها الإيجابية، ودون أدنى اعتبار لإرادة الشعب الليبي التي تلح على تغيير المشهد السياسي، والحد من سلطات الأمر الواقع، وفي تجاهل لإرادة نحو 2.5 مليون ناخب بادروا باستلام بطاقاتهم الانتخابية، وفي استخفاف بطموحات المترشحين للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، عدد منهم من خيرة النخب الوطنية، الذين يعول عليهم الشعب الليبي لإنقاذ ليبيا، وبناء الدولة الحديثة، من واقع الإحساس بمسؤولية المشاركة في أول انتخابات رئاسية في ليبيا يتم فيها اختيار رئيس لقيادة البلاد في ظروف وتحديات
صعبة.
لقد نفذ صبر الليبيين انتظارا للخروج من نفق الواقع المظلم إلى آفاق إجراء انتخابات حرة شفافة بمساعدة بعثة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإنهاء الأجسام القائمة التي تم انتخابها منذ عامي 2012 و 2014، ومازالت تمارس صلاحياتها، في ظل وضع مؤسف من الانقسام والتشظي الداخلي والاصطفافات السياسية والأيديولوجية، أنتجتها جولات الصراع وحروب السنوات الماضية، زادت الأزمة عمقا وتعقيدا وستتعاظم الأزمة إذا ما استمر واقع المشهد السياسي القائم بمكوناته.
كما نفذ صبر الليبيين وتجرعوا مرارة فشل اجتهادات بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وسئموا تصميمها وتبنيها لخرائط لحل الأزمة غير قابلة للتنفيذ لما يزيد على سبع سنوات من وثيقة الاتفاق السياسي (2015) ، وحتى مخرجات حوار جنيف في عام 2021) ، ولم يعد الليبيون يقبلون وعودا منمقة بمعاقبة معرقلي المسار السياسي لم ولن تنفذ، وتدخلات وممارسات – لم يعد السكوت عليها ممكنا من قبل عناصر في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ومن بعض الدول المنخرطة في الشأن الليبي بشكل يتجاوز المهام المحددة بقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة بالحالة الليبية، والأعراف السياسية والدبلوماسية.
إن مما يعمق من الإحساس بالخيبة والمرارة أن فشل العملية الانتخابية يوم الرابع والعشرين من ديسمبر قد اقترن بصدور بيانين أحدهما من سفارة المملكة المتحدة في ليبيا، والثاني من خمس دول غربية هي (المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا) يتناول كل منهما – في ذات يوم ذكرى الاستقلال الذي كان مقررا لإجراء الانتخابات – شكل الحكومة ومؤسساتها في المرحلة اللاحقة ليوم 24 ديسمبر وحتى إجراء الانتخابات والتداعيات المحتملة لكل ذلك ويرسم في تدخل لا مثيل له في علاقات الأمم ملامح الحكومة والقيود على أي تحرك في هذ الشأن الليبي المحض ومداه الشكلي والزمني، دون إقامة أدنى اعتبار ليوم استقلال البلاد، أو تذكر لما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية من عبارات المجاملة والتهنئة في يوم عيد وطني.
وفي ظل استمرار حالة الغموض والخشية من استمرار بل وتفاقم الوضع في البلاد إلى ما لا يعلمه إلا الله، وفي إطار الحرص على معالجة تداعيات هذا الفشل بروح وطنية مسؤولة، وبحكمة وصبر وبعد نظر، فإن حزب السلام والازدهار، إذ يرفض بكل حزم قبول استدامة هذا الوضع تحت أي ذريعة، فإنه يدعو إلى اجتماع استثنائي وعاجل للأحزاب السياسية المسجلة بشكل قانوني لتدارس ما يلي من مواضيع واقتراح المعالجات اللازمة لها:
- بحث أسباب تعثر العملية الانتخابية وتقصي ، خلفياتها، ومعالجة التداعيات السلبية التي حصلت وربما ستحصل نتيجة عدم إجراء الانتخابات في أجل قريب.
- بلورة رؤية مشتركة للعمل السياسي في المرحلة القادمة لإنقاذ الوطن وبناء الدولة.
- وضع إطار موحد ومتفق عليه للتعاطي الإيجابي مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والبعثات الدبلوماسية الأخرى، بما يضمن تحقيق المصالح الوطنية العليا وصون سيادة ليبيا وكرامة شعبها الأبي.
- دعوة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إلى استخلاص الدروس والعبر من الاخطاء التي تكررت في حوار الصخيرات ،2015، وحوار جينيف ،2021، وتغيير مقاربة ومنهجيات العمل، بما يضمن استمرار العملية الانتخابية التي انطلقت في شهر نوفمبر 2021 .
- التأكيد على أن تأجيل عملية الاقتراع يجب أن يكون لأقصر فترة زمنية ممكنة وبما لا يتجاوز شهر مارس 2022 مع معالجة الأسباب والمختنقات التي أدت إلى انسداد المسار الانتخابي.
- اقتراح الاستراتيجيات والآليات التي تؤدي إلى إعادة تموضع الأحزاب في العمل السياسي وتقويتها بما يساعدها على القيام بدورها الوطني والسياسي في توجيه وصناعة رأي عام واع يصب في مصلحة الثوابت الوطنية، ويحقق إرادة وإصرار الشعب الليبي على التغيير الإيجابي، بما يحقق الاستقرار وينقذ الوطن، ويمكن من إعادة بناء الدولة الليبية الحديثة في إطار قيمنا الثقافية والحضارية.
أخيرا، فإننا ندعو الشعب الليبي ونخبه وكل الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات والمثقفين والإعلاميين وصناع الرأي ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي إلى حراك شعبي منظم سلمي حضاري فاعل ومستمر لتصحيح الانحرافات التي حصلت والضغط على الأجسام والشخصيات السياسية لتحمل مسؤولياتها كاملة من خلال اتخاذ مواقف إيجابية واضحة وداعمة لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة.
عاشت ليبيا… في سلام.. وتنمية.. وازدهار.
صدر في : 25/12/2021