اطلع حزب السلام والإزدهار على قرار رئيس مجلس النواب رقم 15 لسنــة 2024 م بفرض ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي الصادر بتاريخ 14/ من شهر مارس الجاري، وإذ يبدي الحزب استغرابه قيام رئيس مجلس النواب باختراق صارخ للإعلان الدستوري الذي ينص على عدم جواز فرض ضريبة إلا بقانون يصدر من مجلس النواب، وإصداره لقرار لا يقع ضمن نطاق الصلاحيات الممنوحة له بموجب المادة 13 من القانون رقم 4 اسنة 2014 م بشأن اعتماد اللائحة الداخلية لمجلس النواب.
يؤكد حزب السلام والازدهار على الآتي:
أولاً: كان من الأولى أن ينأى رئيس مجلس النواب بنفسه عن ممارسة عمل لا
يتعلق بمهامه الوظيفية ولا يدخل في اختصاصه.
ثانياً: إن تعديل سعر الصرف هو اختصاص أصيل لمجلس إدارة المصرف
المركزي وفقا لقانون المصارف، هذا المجلس الذي لم يعد موجوداً منذ
آخر تعديل لسعر صرف الدينار والذي نتج عن آخر اجتماع لمجلس إدارة
مصرف ليبيا المركزي بتاريخ 16 ديسمبر 2020، وكان من الأولى أن يركز
مجلس النواب على واجبه بإعادة تشكيل مجلس إدارة المصرف
المركزي حتي يتمكن من القيام بالدور المناط به وأن لا يترك هذه
المؤسسة النقدية الحيوية تسير بدون مجلس إدارة كل هذه السنوات
مما أفقد المصرف المركزي القدرة على القيام بدوره في إدارة السياسة
النقدية بليبيا وفقا للقانون.
ثالثاً: إن مسألة فرض رسم على مبيعات النقد الأجنبي بحجة تمويل الانفاق
التنموي أو تغطية العجز بالإنفاق العام، جانبها الصواب خاصة في
غياب صدور قانون للميزانية العامة يمكن من خلاله ضبط الانفاق
العام بشقيه الجاري والاستثماري، وترشيده وإدارته.
رابعاً: إن الحزب يرى أن هذه الخطوة ليست في محلها استناداً للوضع المالي
والنقدي للدولة حاليا كون أن هناك أولويات أخرى كان يجب القيام بها
قبل تحميل المواطنين ثمن غياب الرشد في الانفاق الحكومي وتعدد
مصادره وفساد الطبقة الحاكمة وفشلها. فيجب تقليص الهدر في
الانفاق الحكومي المنفلت، ولعل بنود كثيرة كان يجب تقليصها
والضغط على نفقاتها منذ وقت طويل، من بينها على سبيل المثال
البنود المتعلقة بالبعثات الدبلوماسية الليبية بالخارج التي تنتشر
على أكثر من 149 دولة بالعالم في الوقت الذي لا تحتاج فيه ليبيا
لكل هذا العدد ، أو بند استيراد السيارات الحكومية، والحد من الفساد
في العقود والمشتريات الحكومية، سيوفر ذلك مبالغ تفوق بأضعاف
ما حدد القرار أنه سيوفره وجعله مبررا لصدوره، كما أن السلطة النقدية
تمتلك أدوات أخرى ينبغي تفعيلها قبل استخدام سعر الصرف كوسيلة
لكبح الطلب المتزايد على العملة الصعبة.
خامساً: إن التسليم بفرض رسم أو ضريبة جديدة على سعر صرف العملات
الأجنبية سيعني تخفيضا جديداً لقيمة الدينار بمعدل %27 وهو يعني أن
المصرف المركزي اختار نقطة دفاع جديدة عن قيمة الدينار عند مستوى
سعري جديد وسيؤدي ذلك حتما إلى استمرار الفارق بشكل قد يتصاعد بين
السعر الرسمي وسعر السوق الموازي وبالتالي انهيار متتال في قيمة
الدينار، وستكون تبعاته وخيمة على الاقتصاد الوطني والمواطن الذي
سيدفع الثمن برفع جديد للأسعار يفوق حتما قدرته وستكون له آثار
تضخمية واسعة في ظل محدودية أدوات إدارة السياسة النقدية.
سادساً: لا شك أن التزايد المتفاقم لعرض النقود العام الماضي من 110 مليار دينار
نهاية عام 2022 الى 141 مليار دينار نهاية عام 2023 (الزيادة بمقدار 31
مليار دينار) شكل ضغوطات كبيرة على الطلب على النقد الأجنبي، وتظل
هناك خيارات أخرى للتعامل مع زيادة الطلب على النقد الأجنبي يمكن
اتباعها مثل زيادة في نسبة الاحتياطيات المطلوبة للأرصدة بالمصارف
التجارية من %20 الى %30 هذه الزيادة في الاحتياطيات الالزامية للأرصدة
بالمصارف التجارية بمقدار %10 بإمكانها سحب أكثر من 9 مليار دينار من
عرض النقود.
سابعاً: هذا التصرف بفرض ضريبة على سعر الصرف يعتقد أنه قد يعرض الاقتصاد
الوطني المنهك إلى كارثة حقيقية قد يترتب عليها إطلاق العنان
للتضخم في ظل عدم قدرة المصرف المركزي على السيطرة على الأوضاع
النقدية بسبب مجاراته الطلب الحكومي بالإنفاق العالي والمندفع من
أطراف متعددة بحكومتين.
ثامناً: تعتبر ليبيا من الدول ذات الاحتياطي النقدي المرتفع نسبةً لحجم وارداتها
حيث يقدر بحوالي 80 مليار دولار أي ما يعادل وارداتها لأربع أعوام (بحسب
تقرير صندوق النقد الدولي) الأمر الذي يجعل المصرف المركزي الليبي في
موقف قوي للتعامل مع هذه الأزمة دون الحاجة إلى إضعاف الثقة في
الدينار الليبي. ولا يعني ذلك استنزاف الاحتياطي لمواجهة الطلب على
النقد الأجنبي على المدى البعيد ولكن يمكن استخدامه جزئياً والتعويل
عليه لتحقيق استقرار مستدام في قيمة العملة الوطنية بدون رفع
تكاليف المعيشة على المواطنين.
تاسعاً: إن المعالجة تتطلب أن يمارس كل طرف دوره وفقا للقانون، فمجلس
النواب يقع على عاتقه إصدار قانون الميزانية، وعلى الحكومة أن تضبط
الانفاق المنفلت بشكل يحقق المستهدفات الأساسية، وعلى المصرف
المركزي أن يعمل في إطار قانوني عبر مجلس ادارة مشكل وفقا للقانون،
وأن يعمل بشكل عاجل على تخليص الاقتصاد الليبي من التبعات السلبية
لما سماه العملة الليبية مجهولة المصدر، وأن يحافظ على قيمة الدينار
الليبي طالما لديه القدرة على القيام بذلك، لا أن يمرر الانفاق العام
المنفلت ويوصي بعد ذلك بتخفيض قيمة الدينار الذي يؤدي بالضرورة إلى
رفع المستوى العام للأسعار وافقار المواطنين.
عاشراً: من الواضح أن الاقتصاد الليبي بحاجة إلى برنامج صارم متكامل لإعادة
الهيكلة، وأن الاستمرار في محاولات المعالجات الجزئية المبعثرة، والتعامل
بردود الأفعال، في غياب سياسات اقتصادية واضحة، تترجم برنامج لإعادة
هيكلة الاقتصاد، سينتج عن هذا الوضع استمرار تحميل المواطنين ثمن
العبث واللامسوؤلية في إدارة الاقتصاد وفساد الطبقة الحاكمة.
إن حزب السلام والازدهار يدعو الجميع إلى إحترام التشريعات النافذة والابتعاد عن جر الاقتصاد الليبي نحو مزيد من الارباك وإيقاف مسار العبث، وإصدار القرارات المعيبة التي سيكون من شأنها حتما إضعاف قدرة المواطنين وتلاشي ما تبقى من مدخراتهم، وتراجع حاد في مستوى الحياة والمعيشة للغالبية العظمى من المواطنين، ويحذر من العواقب السلبية لذلك على الأمن والسلم المجتمعي فضلاً عن سلبياته العميقة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
حزب السلام والازدهار
صدر في طرابلــــــــــس
بتـــــــاريخ: 18/03/2024