تحلّ علينا الذكرى الرابعة والسبعون لاستقلال ليبيا في ظرف وطني بالغ الدقة، تتقاطع فيه تحديات الانسداد السياسي الممتد مع تراجع فعلي في الثقة العامة بالعملية السياسية، وتتعاظم فيه المخاطر التي تمسّ جوهر السيادة ووحدة الدولة، وتنعكس مباشرة على حياة المواطن واستقراره، بعد سنوات طويلة من الانتظار وغياب الأفق.
إن الرابع والعشرين من ديسمبر ليس مجرد محطة في الذاكرة الوطنية، بل هو يوم سيادي مفصلي، شهد ميلاد الدولة الليبية المستقلة، وحمل في الوجدان الجمعي لليبيين وعدًا باستعادة الإرادة الشعبية عبر الانتخابات العامة المقررة في عام 2021. غير أن هذا الاستحقاق لا يزال معطّلًا حتى اليوم، بعد مرور أربع سنوات، بفعل التجاذبات السياسية وتكريس الأمر الواقع، دون مسوغ وطني أو دستوري يبرر هذا التعطيل أو يضفي عليه أي مشروعية.
لقد جاء الاستقلال ثمرة كفاح ووعي وتضحيات جسيمة قدّمها الليبيون دفاعًا عن حقهم في دولة ذات سيادة، لا وصاية عليها، ولا انتقاص من إرادتها. وإن استحضار هذا الإرث الوطني يضع على عاتق الجميع مسؤولية تاريخية واضحة، قوامها حماية الاستقلال من التآكل السياسي والمؤسسي، وصون الدولة من التفكك، وإعادة الاعتبار لحق الشعب الليبي في تقرير مصيره واختيار من يمثله.
وانطلاقًا من ثوابت حزب السلام والازدهار، يؤكد الحزب أن السيادة الحقيقية لا تتحقق بالترتيبات المؤقتة ولا بتدوير الأجسام، بل بتكريس مبدأ الاحتكام إلى الإرادة الشعبية الحرة، ضمن إطار دستوري وقانوني واضح، يكفل التداول السلمي على السلطة، ويضع حدًا لحالة التمديد القسري، ويُنهي المراحل الانتقالية المفتوحة التي استنزفت الدولة وأضعفت مؤسساتها.
وفي هذا السياق، يشدد الحزب على أن أي مخرجات أو تسويات أو حلول سياسية، مهما كان مصدرها، لا تكتسب مشروعيتها إلا بعرضها على الاستفتاء الشعبي. فالشعب الليبي هو مصدر السلطات، وصاحب الحق الأصيل في تحديد مستقبله، والضامن لتنفيذ خياراته. وإن تجاوز هذا المبدأ يُفضي إلى تعميق أزمة الشرعية، ويُبقي جذور الصراع قائمة بدل معالجتها.
كما يحذر حزب السلام والازدهار من أن استمرار حالة الانسداد السياسي الراهنة يشكّل تهديدًا مباشرًا لوحدة الوطن وسلامته، ويزيد من هشاشة السلم الأهلي، ويفتح المجال أمام مزيد من التدخلات الخارجية، بما يقوّض مقومات الدولة، ويحمّل الأجيال القادمة أعباءً إضافية لا مبرر لها.
وفي هذه الذكرى الوطنية الخالدة، يتقدم حزب السلام والازدهار إلى الشعب الليبي بخالص التهاني، مقرونة بإيمان راسخ بأن الشعوب التي تمتلك وعيها قادرة، مهما اشتدت التحديات، على استعادة مسارها، وتحويل الأزمات إلى فرص، والانطلاق نحو بناء دولة حرة، موحدة، مستقلة، وعادلة؛ دولة تليق بتضحيات الآباء، وتستجيب لطموحات الأبناء.
عاشت ليبيا حرة أبية…
وعاش شعبها عزيزًا مكرمًا.
حزب السلام والازدهار
24 ديسمبر 2025 .

